عنوان: “عندما تتحدث كثيرًا… وتقول القليل!”
عنوان: “عندما تتحدث كثيرًا… وتقول القليل!”
كان ذلك في نهاية عام 2021.
تلقيت اتصالًا بخصوص مقابلة عمل في عيادة أسنان جديدة، أو بالأحرى، ما زالت في طور التشكل. الطبيبة المالكة كانت تسابق الزمن لترميم المكان، وبناء فريق عمل من الصفر. عرض العمل بدا مغريًا من الناحية المادية والمهنية، والموعد كان عند السادسة مساءً، قبل نهاية يوم العمل بنصف ساعة تقريبًا.
أتذكر ذلك اليوم جيدًا، فقد كان من أكثر فترات حياتي توترًا؛ زوجتي كانت في أسابيعها الأخيرة من الحمل، وقلبي كان متعلقًا بهاتفي تحسبًا لأي طارئ. أخبرت مديرة العيادة بذلك فور جلوسنا – نوعًا من التهيئة النفسية، لي ولها.
لكن شيئًا غريبًا حدث.
لم تكن مقابلة عمل بالمعنى التقليدي، بل تحولت إلى مونولوج طويل. هي من تحدثت طوال الوقت، لا عن خطة العمل، ولا عن الرؤية المهنية، ولا حتى عن بنود العقد… بل عن حملها، وتجربتها السابقة في العيادات، وعن الصعوبات البيروقراطية التي واجهتها، وحتى معاناتها في التوفيق بين دورها كأم وزوجة ومديرة. ساعة، ثم ساعتان، وأنا جالس هناك كأنني أُجري دراسة حالة على شخصية من مسلسل درامي.
كلما حاولت إنهاء الحديث بلطف، فتحت موضوعًا جديدًا. بدأت أتململ، أخرج هاتفي، أنظر إلى الساعة، أرسل إشارات “كفى” غير مباشرة، بلا جدوى. حتى عندما قمت من مكاني واتجهت نحو الباب، لحقت بي، واستمرت في الحديث في الممر!
وفي نهاية كل ذلك، قالت لي: “سأرسل لك نسخة أولية من العقد، فكر بالأمر.”
ابتسمت بأدب. رغم أننا لم نتحدث أصلاً عن تفاصيل العقد!
بعد أسبوع، أرسلت لها رسالة قصيرة أعتذر فيها عن قبول العرض، وتمنيت لها التوفيق. بعد خمس دقائق فقط، رن هاتفي.
“مرحبا مصطفى، زوجي أصر أن أتصل بك. أريد أن أعرف السبب الحقيقي لرفضك العرض، لأستفيد في المقابلات القادمة.”
ارتبكت. لم أكن مستعدًا لصدق من هذا النوع. فلفقت عذرًا سريعًا: “اخترت عرضًا آخر في عيادة تركّز على الجراحة، وهو مجال شغفي.”
لكن الحقيقة؟ لم يكن هناك انسجام. أسلوبها في الإدارة – أو بالأصح، غيابه – جعلني أشعر بعدم الأمان المهني. فقط لم أجرؤ على قول ذلك.
وبعد عام كامل، التقيتها صدفةً في عيادتنا. جاءت لتستعير جهازًا طبيًا، صافحتني وقالت: “كنت أتابع أخبارك. عرفت أنك تشتغل هنا.”
وهنا فقط أدركت شيئًا مهمًا: العيادة التي اخترتها لم تكن متخصصة في الجراحة كما زعمت، بل كانت عيادة أسنان عامة.
العبرة؟
- أحيانًا نكذب بدافع اللطف… ونجرح أنفسنا في صمت.
- وأحيانًا لا يكون الرفض سببه العرض، بل من يقف خلفه.
- لا يكفي أن تكون لديك عيادة حديثة أو عرض مغرٍ؛ القيادة الحقيقية تبدأ بالوضوح، والاحترام المتبادل، والقدرة على الإنصات.
- وأنا؟ كنت بحاجة لأن أثق بنفسي أكثر، لأقول ما أفكر فيه دون لفٍّ أو دوران.
الدروس المستخلصة:
- ليس كل من يتحدث كثيرًا يملك شيئًا مهمًا ليقوله.
- الصمت أحيانًا أبلغ من الموافقة الزائفة.
- القادة لا يُقنعون بالكلام، بل بالفعل والنية الصادقة.
- وأنت، أيها المهني – لا تخف أن تقول: “هذا لا يناسبني”، حتى لو بدت الكلمات صعبة.
تعليقات
إرسال تعليق