عندما يصبح الشكر واجبًا

عندما يصبح الشكر واجبًا

رحلة الاستعداد للمنافسة

بدأت قصتي قبل بضعة أشهر فقط من أول ظهور لي على منصة بطولة كمال الأجسام الطبيعية. كان الحلم يقترب من الواقع، وقررت أن ألجأ إلى مدرب رياضي محترف يساعدني في تحقيق أفضل مستوى من اللياقة والجاهزية. تعرفت على مدرب يتمتع بخبرة عالية وسمعة طيبة في مجال التدريب الرياضي، ولمست منذ اللقاء الأول حماسه واهتمامه بالتفاصيل. كنت مليئًا بالحماس والتوقعات؛ فهذه التجربة الجديدة كانت بوابتي نحو هدف طالما حلمت به.

المدرب الخبير وفوائد التدريب

انطلقنا معًا في رحلة تدريب مكثفة ومنظمة. كان مدربي خبيرًا بحق؛ فقد وضع لي برنامجًا غذائيًا وتدريبيًا دقيقًا يتناسب مع احتياجاتي وأهدافي. تحت إشرافه، بدأت أحقق تقدمًا ملحوظًا في قوتي ولياقتي، ولاحظت تغييرات إيجابية في شكل جسمي وأدائي على مدى أسابيع قليلة. كان يدفعني برفق حينًا وبحزم حينًا آخر لكي أتجاوز حدودي الشخصية وأحطم حواجز الخوف والتردد. شعرت بالامتنان لخبرته وتوجيهاته؛ فقد تعلمت منه الكثير حول الانضباط والصبر وأهمية التفاصيل الصغيرة في تحقيق الإنجاز الكبير.

الطلب الذي أفسد اللحظة

مع اقتراب نهاية فترة التدريب واقترابي من موعد الصعود إلى المسرح, ظننت أن علاقتي بمدربي ستُتوَّج بتقدير متبادل وكلمات شكر طبيعية. لكنني فوجئت به يطلب مني أمرًا غريبًا: أن أكتب عنهُ تقييمًا إيجابيًا بصيغةٍ محددةٍ جدًا وضعها هو بنفسه.

لم أعارض فكرة شكرهِ علنًا – فقد كنت ممتنًا بالفعل – لكن الطريقةُ المُوجَّهةُ التي أرادني أن أصوغ بها الشكر جعلت الأمر باردًا وغير مريح. أصرّ مدربي على صيغة كلامٍ معيَّنةٍ, وكرر عليَّ الطلبَ بإلحاحٍ, كأنَّها مهمةٌ يجب إنجازها بلا نقاش.

في تلك اللحظة، بدأت أشعر أنَّ دفءَ الامتنان الصادق الذي ملأ قلبي قبل دقائق قد بدأ يبرد. وافقتُ على كتابة التقييم وقمتُ بنشرهِ بالفعل كما أراد, لكنّ الكلماتُ خرجت منّي جامدةً بلا روح. لقد فعلتُ ما طلبهُ تمامًا، إلا أنني أدركتُ أنَّ ذلك الشكر المكتوب بهذه الطريقة لم يعكس مشاعري الحقيقية. رغم أنني كتبتُ التقييم الإيجابي، فقد افتقدتْ كلماتُهُ مشاعرَ الامتنان الصادق.

في عيادتي: الامتنان العفوي

بعد هذه التجربة بفترة قصيرة، عدتُ لأرتدي معطفي الأبيض وأمارس عملي كطبيب أسنان في عيادتي. وهنا، في هذا المكان المألوف، لاحظتُ مفارقة لطيفة. فمنذ بدأتُ ممارسة طبّ الأسنان، وأنا أحرص على رعاية مرضاي بأقصى ما أستطيع من اهتمام ومهنية، دون أن أنتظر منهم شيئًا سوى أن يغادروا بابتسامة رضاً وراحة. لم أطلب يومًا من أيّ مريض أن يكتب لي تقييمًا أو شهادة شكر.

ومع ذلك، فُجئتُ أنَّ العديد من مرضاي كانوا، بمحض إرادتهم ومحبة خالصة، يتركون كلمات طيّبة وتقييمات إيجابية عن تجربتهم في عيادتي. أحد المرضى كتب في إحدى المرّات تعليقًا قال فيه إنَّهُ شعر بالراحة والاطمئنان منذ لحظة دخوله العيادة حتى خروجه، وآخر شاركني على موقع تواصل اجتماعي تجربةً وصف فيها امتنانهُ للرعاية اللطيفة التي تلقّاها. هذه الكلمات وصلَتني عفويّة ودافئة دون أيّ طلب أو توقّع مني. كلّ مرّة أقرأ فيها تلك التقييمات العفوية، أشعر بسعادة غامرة وتغمرني مشاعر امتنان مضاعفة تجاه أصحابها.

درسٌ في الامتنان واللطْف

تأمّلتُ مليًّا في التجربتين المتباينتين التي مررتُ بهما. في الأُولى، كان هناك امتنان حقيقي تحوَّل إلى واجب جامد عندما فُرِضَ عليه قالب محدَّد؛ وفي الثانية، امتنان وُلِدَ تلقائيًّا من قلوب الآخرين دون أيّ إملاء أو انتظار. خرجتُ بعِبْرة واضحة: أنَّ الشكر الحقيقيَّ لا يُطلَبُ ولا يُلقَّنُ؛ بل ينبعُ من القلب حين يُلامِسُنا لطفٌ حقيقيّ. عندما نُقدِّمُ للآخرين خيرًا أو مساعدةً بحبّ وإخلاص، فإنَّ أثر ذلك يظهر في نفوسهم بشكل طبيعي؛ وقد يعود إلينا شكرهم بصورة أجمل وأصدق مما لو طلبناه مباشرةً.

في النهاية، علّمتني هذه التجربة أنَّ الامتنان يفقد معناه حين يُفرَضُ علينا فرضًا. فالتقدير الصادق هو ما ينبع بلا تكلّف أو ضغط, وهو ما يبقى عالقًا في الذاكرة والقلب. وجدتُ أنَّه في أيّ دورٍ نؤدّيه – مدرّبًا كان أو طبيبًا أو غير ذلك – علينا أن نزرع الخير والبهجة ونمنح الدعم بمحبّة، دون انتظار مقابل فوري أو شهادة مكتوبة. لأنَّ ما سيأتي لاحقًا – إن أتى – سيكون امتنانًا حقيقيًا أسمى وأعمق، يدفئ الروح ويصنع رابطًا إنسانيًا قويًا.

رسالة أخيرة: لنكن جميعًا مصدرًا للبهجة واللطف في حياة من حولنا. افعل الخيرَ بمحبّةٍ وانشر الابتسامة أينما ذهبتَ. حينها سيأتيك التقدير الحقيقي تلقائيًّا، وستُدرك أنَّ العطاء الصادق يخلِق امتنانًا صادقًا يلوّن حياتنا وحياة الآخرين بأجمل الألوان


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

� تعديل شهادة طبيب الأسنان من خارج الاتحاد الأوروبي في ألمانيا 2025

الخطوة الثانية بعد تعلم اللغة الألمانية: ماذا بعد شهادة B2؟

رحلة تعديل شهادة طبيب أسنان في ألمانيا